اللّحن المجهول
منى محيي الدين
هل تعلمين كم مرّةً غنّى البلبل: أهواكِ؟
هل تعلمين كم مرّةً هبّ الهواء يُناجي عُلاكِ؟
أحلامي راحَتْ تُسابقُ فراشاتِ الحقول، تُعالج الدّرب المجنون، تُبعثر أوراق الأيام، تحبس إِصرارًا لا ينام، تُنادي وترفع النّداء، تسأل زهور الفناء، وأصداء الوادي، ولألآت السّماء، تريد أن تعرف، أن تسألكِ:
هل تعلمين؟
هل ستسافرين يومًا؟
هل تُقبلين؟ أو ربّما تُراكِ سترتادين الـمجرّات، تبحثين عن نفسكِ هناك. تتوهّمين، تهيمين، تتوهين في غير مكانٍ أو رجاء، وربّما تعزفين لحن الوفء، الضّائع بين الصّوامع وفي الأرجاء، أو خلف رُكنٍ مهجور...
أنتِ لي، صدّقيني، وكُفّي عن التّرحال، عن الهرب وسط الزّحام، بين جيوش أفكاركِ بين الرُّكام، بين أصقاعِ جدرانكِ بين السّهام .
وتعالي... تعالي يا حلوتي، فأنا ما برحْتُ أنتظر، في الفلاةِ، وفي السّاحاتِ، وخلف مسافاتِ الصّبر .
أنتظر، في أهدابِ العشّاقِ، وفي معابدِ النُّسّاكِ، وأمام القدر الـمُستتر .
أنتظر، وخلف هياكلِ الانتظار عَبَقٌ حالمٌ يودّ أن يجوب العالم، يودّ أن ينطلق، وينتشر .
هيّا، اسكبي العمر زاهيًا بأنفاسِكِ. هيّا، ركّبي اللّيل مُفعمًا بإحساسكِ. غنّي لحنيَ الطّروبَ عاليًا، أو همسًا، أو رقصةً في ثوبِ فراشةِ أحلامكِ .
لا، لا تصمتي، فالصّمتُ ليس عبادة، ليس تاجًا على وسادة، ليس دُرًّا، ليس خمرًا، ليس قمحًا بل إِبادة .
قومي، نقِّلي الصّوتَ، فالنُّعمانُ مُبتسم، وجَوْقات البنفسجِ تُصلّي وترتسم. قومي فالقمر في إجازة، ومشوار السَّمَر مُتأهِّبٌ وزيادة .
وأنا، يا أميرتي، أرقُد خارج عقارب الزّمان، أُراوِح خارج دائرة المكان. لا أجمع أمسي بيومي، ولا هذه السّاعاتِ والثّواني، رغم أنّها تقرعُ نفسي بالـمَطارِق، وتحفر جلدي بكلِّ طارِق، وتسوقُني كليم الرّوح إلى دربٍ واحدٍ، إلى سؤالٍ واحدٍ، تريدني أن أسألكِ: هل تعلمين؟ هل أحبَبْتِ يومًا؟ هل تعشقين؟
هلّا نظرْتِ في عينيّ مرّة، هلّا كسرْتِ وحطّمْتِ تلكمُ الجرّة، أو تركتِني أقطف وأثـمَل بتلك النّظرة. لأقرأ فيها سطورًا من نور، تُنادي فيَّ جوارحي، تُنادي الحياة والحُبور. وما همّي بعدها أن يُعلَنَ بدء القيامة. فلحظةٌ، يا حبيبتي، أعيشها في عينيكِ حُرًّا، تُساوي عندي عُمُرًا كاملًا، من البداية إلى النّهاية .
كل التقدير والاحترام شاعرنا وأستاذنا الكبير
ردحذف🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹
حذف🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹