القائمة الرئيسية

الصفحات

قراءة نقدية للمنجز التاريخي تاريخ مدينة الرمادي في العهدين العثماني والملكي

قراءة نقدية للمنجز التاريخي تاريخ مدينة الرمادي في العهدين العثماني والملكي 

لمؤلفه: السيد مازن بن امين بن ساجر الرفاعي

بقلم: الصحافي يحيى نقي/ العراق/ واسط/ الكوت

بقلم: الصحافي يحيى نقي/ العراق/ واسط/ الكوت
قراءة نقدية للمنجز التاريخي تاريخ مدينة الرمادي في العهدين العثماني والملكي














يامن  طلبتَ  المعالي  في تآخينا
تستنطقُ الدهرَ عن  دنيا  رمادينا
مدينةٌ    كَتَبَ   التاريخُ   سيرتَها
وأهلُها   ذهبُ   الدنيا   كماضينا
رجالُها الصيدُ في الهيجاءِ قسورةٌ
وإنْ  أشَرْتَ  لهم   جاءوا  مُلَبِّينا
ونحنُ من اهلِها نعطيكَ  ماوجبتْ
فيهِ    الضيافةُ    تَلقينًا   وتَدوينا
إنَّ الرمادي  بنيناها  كما  وَجَبتْ
جودًا   وعَزمًا   وإقدامًا    لِتبنينا
بهذه الابيات الرائعة للشاعر الكبير الدكتور ابراهيم الفايز ولكي لا يندثر تراث وتاريخ جميل لمدينة عراقية عريقة بأهلها واسمها ومكانتها ،ومن اجل أداء حق مدينته عليه وانطلاقًا من حبه الحقيقي لها  واخلاصه لتاريخها وحفظ ما يمكن ان يكون ضحية  للتلف والضياع والاندثار وبهمة لا تعرف الكلل والملل وإصرار واندفاع عجيبين وصبر منقطع النظير وامتثالًا لمقولة أبو حاتم الرازي "اذا كتبتَ فقمِّش واذا حدَّثتَ ففتِّش" وعن دار ومكتبة عدنان للطباعة والنشر والتوزيع وبأكثر من 1000 صفحة من القطع الكبير اتحفنا السيد مازن بن امين بن ساجر الرفاعي بمنجزه الإبداعي الرائع ( تاريخ مدينة الرمادي في العهدين العثماني والملكي) الذي تفضل باهدائي نسخة منه ، هذا الكتاب التاريخي المهم  الذي يعد اول كتاب يُعنى بتاريخ مدينة الرمادي وقد  بذل لتأليفه جهدًا جهيدًا ومالًا وفيرًا وسنوات طويلة مستندًا على الوثيقة كونها الحجة و الدليل حيث اعتمد على الوثائق العثمانية والملكية التي لم تمتد لها يد غيره من قبل، وهو كتاب شامل كُتِبَ بإسلوب اكاديمي يقع بجزئين وبستة فصول تناول الجزء الأول منه المواقع الاثرية للواء الدليم بصور عامة ومدينة الرمادي بصورة خاصة ومراحل تطورها إداريًا في العهدين العثماني والملكي كذلك أصحاب الأملاك وحرفهم وشؤون التعليم والإدارة وبنيتها التحتية والدوائر الخدمية وكافة نشاطاتها الزراعية والتجارية والصناعية وتقارير مفتشي الاثار بخصوص المواقع   الاثرية التي تعود الى العصر الفرثي ، بينما اختص الجزء الثاني بالبيوتات التي سكنت مدينة الرمادي في العهدين العثماني والملكي      مع سجلات الطابو العثمانية وسجلات النفوس وقيود طلبة المدارس في العهد الملكي.

وبعد جهدٍ مضنٍ وبحثٍ طويل واستقصاءٍ دقيق استطاع الرفاعي الوصول الى ثوابت وشواهد تاريخية لوجود مدينة الرمادي تلك المدينة المزدهرة بحكم موقعها على طريق القوافل التجارية الذي يربط بلاد الشام بالعراق وقربها من موارد المياه الوفيرة المتمثلة بنهر الفرات، 
من هذه الشواهد تل الرمادي الاثري وهو ارض اميرية تعود ملكيتها الى الدولة وقد عثر على بعض اللقى الاثرية والنقود الساسانية والإسلامية تعود للقرن الأول الهجري، كذلك موقع كري سعدة الاثري الذي يقع وسط المدينة وهو عبارة عن مقبرة اثرية تعود الى المناذرة اضافة الى مقبرة اثرية اخرى تعود الى ما قبل الإسلام وشاهد اخر متمثل بالجزء الغربي من مقبرة البوعلوان باتجاه منطقة الحوز وتعود للعهود الفرثية والساسانية كذلك موضع بسيخينا الذي يبعد عن هيت بمقدار 12 فرسخا وهو معبد للآلهة اتركاتس .

 إن مدينة الرمادي بجميع احيائها كالعزيزية التي تعتبر من اقدم المحلات في المدينة حيث تتمركز فيها جميع الانشطة التجارية والصناعية والحرفية والخدمية وكذلك وجود الخانات والدكاكين والحمامات والجامع الشريف ومعظم الدوائر الحكومية، اضافة الى القطانة والحوز والورار والشركة والحصوة الجنوبية والحي الجمهوري تعتبر مدينة عامرة اسمها بسيخينا  تتمتع بجميع المقومات الحياتية وهي مركز ديني مهم وسهل رسوبي خصب تتخلله الأنهر .

 ويقع المؤلَّف في ستة فصول حيث يتناول الفصل الأول المواقع الاثرية مثل تل الرمادي وكري سعدة وتل المشيهد وتل الأسود وموقع قصر الوزة ، اما الفصل الثاني فيختص بتسمية مدينة الرمادي حيث يذكر انها سميت بهذا الاسم لسببين هما كثرة الرماد على سطح تل الرمادي  المتخلف من المسافرين الذين يرتقونه عند مجيئهم لهذه المنطقة ووجود قبر احد الصالحين وهو محمد بن عبد الله الرمادي المغربي الذي دفن في مقبرة الإسلام في تل الرمادي . والفصل الثالث خصص لدائرة المعارف  "التربية والتعليم" سواء كان  عن طريق صبيان مكتبي "الملا" اوعن طريق "المدارس الاميرية الحكومية" ، فيما تطرق الفصل الرابع للدوائر الحكومية والمناصب الادارية التي تضم الحكومة المحلية ودار المحاكم ودوائر الطابو والاملاك والبلدية والصحة والنفوس والاشغال والري والزراعة والبريد والشرطة والكمارك والمكوس واسالة الماء والكهرباء والبيطرة والاوقاف والشؤون الدينية ورعاية الايتام والحامية العسكرية العثمانية، اما الفصل الخامس فتناول النشاط الزراعي والصناعي والتجاري والخدمي للقطاع الخاص حيث ذكر أهم الخانات والفنادق والمقاهي والحمامات وباقي الحرف والمهن المتعارف عليها في حينه كالنجارة والمكارية والكتب والبيع والشراء والبناء وعلاوي الحبوب والعطارين والبقالة وعلوة المخضرات والقصابة وصيد وبيع الأسماك والحانوت والخبازة والبزازة والخياطة والفرواتي والحلاة والنجارة والحدادة والصباغة والصفارة . 

فيما اختتم مؤلفه بالفصل السادس الذي تطرق فيه لأهم  العشائر وبيوتات المشيخة والعوائل التي سكنت مدينة الرمادي حيث ذكر ان سكان مدينة الرمادي هم ممن هاجر اليها من المدن المحيطة بها كالفلوجة وهيت وعنه وراوة وحديثة والقائم والرطبة والرحالية والصقلاوية وآلوس وكان يطلق عليها لواء الدليم وهنالك بعض العوائل جاءت الى مدينة الرمادي من مدن بغداد وديالى وسامراء ومدن عراقية أخرى والغالبية العظمى من عوائل مدينة الرمادي هم من العرب وقليل من الاكراد ديانتهم الإسلام الحنيف مع وجود اقلية بسيطة من اليهود هاجروا جميعا الى فلسطين المحتلة  وبعض البيوتات المسيحية واحدى عشرة اسرة من الصابئة المندائية سكنت الرمادي للعمل بمهنة الصياغة وقد تعايشت تلك الاقليات مع المسلمين وشاركتهم في جميع نواحي الحياة وكان لوجود المعبد اليهودي قرب الجامع الشريف دليلًا واضحًا على مدى التسامح الديني والتعايش الاجتماعي الذي امتازت به المدينة.

وقد بذل المؤلف في هذا الفصل الذي يعد التجربة الاولى  والرائدة في توثيق سكان المدن في العهدين العثماني والملكي  حيث لم يسبق للباحثين في تاريخ المدن العراقية الخوض بمثل هذه التجربة الفريدة جهدًا كبيرًا لا يضاهى إذْ  استطاع ان يوثق لأكثر من ٢٥٩٠ بيتًا من بيوتات العوائل التي سكنت مدينة الرمادي .
ولن اغالي ابدًا ان قلت ان هذا الفصل بحد ذاته يمكن اعتباره كتابا لوحده لما تضمنه من معلومات دقيقة وتفصيلية للبيوتات والعشائر وانسابها الصحيحة والموثقة وهذه مهمة ليست باليسيرة اطلاقًا حيث انها مسؤولية تاريخية باعتبار ان تلك المعلومات هي المرجع الوحيد الذي يمكن العودة اليه لمعرفة اصول العشائر.
قراءة نقدية للمنجز التاريخي تاريخ مدينة الرمادي في العهدين العثماني والملكي
وليس من السهل على المؤلف ان يقحم نفسه بمثل تلك الامور الشائكة ان لم يكن متيقنًا وواثقًا كل الثقة ان معلوماته تلك لايشق لها غبار.

واخيرًا اقول انه رغم الاهمال الكبير والواضح وغياب التنقيب المنظم للمواقع الاثرية من قبل مديرية الآثار العامة  والاقتصارعلى زيارات سريعة وخجولة  لاتسمن ولاتغني من جوع ومشاهدات سطحية وغير دقيقة ومعمقة ومع عدم وجود آثار جلية واضحة للعيان لبعض ابنية مدينة بسيخينا لاستخدام حجارتها وطابوقها من قبل الاقوام التي سكنت المدينة وتعرضها لعمليات السرقة والنبش والتخريب من قبل سراق الآثار، الاّ ان المؤلف استطاع وبجهود فردية جبارة ان يثبت ان مدينة الرمادي تعد موقعًا اثريًا وامتدادًا طبيعيًا لمدينة بسيخينا الاثرية مستدلا بذلك على وجود  تل الرمادي الاثري وبعض المقابر التي تعود للعصرين الفرثي والساساني.

مدينة بسيخينا التي اصبحت اثرًا بعد عين لتحل محلها ومن المنطقة المجاورة لتل الرمادي الاثري مدينة الرمادي التي كان يطلق عليها قرية الرمادي في العهد العثماني والتي كانت موجودة قبل قدوم مدحت باشا واليًا على بغداد.

وبذلك عليك عزيزي القارئ ان تدرك حجم الجهد الذي بذله المؤلف ليتحفنا بتلك الايقونة الثرة الثمينة والسفر التاريخي الكبير بجزئيه والذي عكس لنا فيه مدى التعايش السلمي الذي يسود هذه المدينة والمحبة والوئام بين سكانها من الاغلبية العربية المسلمة وباقي الاقليات الاخرى على اختلاف قومياتها واديانها ومذاهبها كما هو حال كل المدن العراقية الاخرى رغم كل ماتعرضت له مدينة الرمادي من دمار وخراب وحروب وويلات على مر التاريخ، اسهمت بشكل كبير بحرق واتلاف معظم الوثائق التاريخية.

ادعوالجامعات العراقية ومراكز البحوث والآثار  لاقتناء نسخة من هذا المنجز التاريخي القيم والرائع والنفيس والذي يعتبرمصدرا مهمًا وامينًا ومرجعًا موثقًا ودقيقًا، كونه كتابا ملمًا بجميع المعلومات عن مدينة الرمادي.

وكم تمنيت لوحظيت كل مدينة عراقية بباحث ومؤرخ بمستوى الرفاعي النبيل ليوثق لنا تاريخ مدينته وعادات اهلها وتقاليدهم وكل مايخص حياتهم اليومية.
اشد على يديك صديقي الرفاعي الاصيل وابارك لك جهودك الكبيرة لحفظ تراث مدينة عراقية اصيلة ، واتمنى لك المزيد من الالق والرقي والعطاء لاغناء المكتبات العراقية بانجازات ثقافية ادبية تاريخية قيمة.

تعليقات