قصة من صميم الواقع 3
سألني البعض لماذا شخصيات القصة بدون أسماء كان من الأول اختيار مني لان القصة حقيقية وحفاظ على الاشخاص اردت ان لا يقع الإفصاح بهم، لكن في هذا الجزء ساضع لهم أسماء مستعارة لان الاشخاص سيتعددون في القصة وسيقع الخلط بينهم.
واصل الاب نديم عمله في باريس تاركا زوجته جاهدة حامل ومعها طفلة صغيرة لم تكمل سنتها الأولى تتخبط وحدها في معركة الحياة. في الشهور الاولى من غيابه كانت تسكن مع عائلته وتذهب من حين الى اخر لمنزل ابويها لتقضي ليلة او اثنين وتنعم بالراحة والنوم العميق ولتلبي لها والدتها ناجية شهواتها من ألذ المؤكولات التي حرمت منها في بيت الحماة. كان نديم يراسل زوجته كل أسبوع ويبعث لها رسالة يسأل عنها وعن احوالها وصحة ابنته الرضيعة وكان يحثها على المجيء لفرنسا وانه لم يعد قادرا على المكوث وحده وانه اشتاق لها كثيرا فحبه أصبح ناقصا بدونها، ولكنها كانت تراسله في كل مرة رافضة الالتحاق به وان تونس هو مسقط رأسها ولا يمكن ان ترحل بعيدا عليها. وكان في كل رسالة يضع بعض الصور التقطها في باريس في أماكن مشهورة ظنا منه سيرهف قلبها وتطمع ان تسافر الى مدينة النور كاي فتاة حالمة وتريد السفر خارج حدود الوطن.
كانت جاهدة كلما ترى تلك الصور يزداد غضبها واحتقانها على زوجها الذي تركها تعاني مشقة الحياة غير كارثا للمشاكل والمضايقات التي تتعرض لها من امه رقية متسلطة اللسان. كما كانت هناك صور مع اخته في أماكن ليلية للسهر والشرب والمجون وكان في رسالته يروي لها كم يعاني من حمل كل ليلة اخته وهي مخمورة، وانه طاق ذرعا بتصرفاتها وهو يصرف نصف راتبه على ملذاتها. شاطت جاهدة غضبا وهددته بالطلاق غيابيا لأنها لم تعد تتحمل كل تصرفاته وعدم المبالات، وفي كل مرة يهدئها ويطلب السماح والصبر معه.
بدأ موعد الولادة يقترب وطلبت جاهدة من زوجها أن يبعث لها ملابس المولود القادم ومقدار من المال فهي أصبحت غير قادرة على طلب المساعدة من أهلها، كان حماها نعيم هو الوحيد في تلك العائلة يكن لها محبة ويأسف على حالها ويشتم ابنه ويقول أنه غير قادر على تحمل المسؤولية، كان يساعدها بين الحين والأخر ولكن غير كافي لأنه رب عائلة وفيرة العدد. قبل شهرين من الولادة بعث نديم لجاهدة مقدار من المال في حوالة بريدية ومن سوء حظها كانت في زيارة بيت والديها وعند ذهاب ساعي البريد الى بيت الحماة لم يجد جاهدة هناك، خرجت له رقية وقالت ان كنتها غير موجودة وانها في المستشفى لتلد وهي مريضة جدا ولا تقدر التنقل وانها ممكن ان تستلم الحوالة بدلا عنها، في اول الأمر رفض ومع الحاح رقية، كما انه يعرف كل العائلة وخاصة كان له معرفة بنديم لم يشك ان رقية كانت لها نية سيئة بالاستحواذ على المال لنفسها. وفي نفس اليوم هاتف نديم في بيت جيران حماة جاهدة ليطمئن عليها وعلى استلامها الحوالة، تكلم مطولا معها وسئل على أحوال ابنته نعيمة وعلى المولود الذي في بطنها ومتى يكون وقت الولادة، وان كانت يا ترى بنت او ولد فهو يتمنى صبي ولكن في السبعينات لم يكن يعرف طبيا جنس الطفل وكانت كلها تخمينات للاهل، كانت جاهدة في كل كلمة تحثه على الرجوع الى الوطن وانها لم تعد قادرة على الصمود وحدها، كان يغضب عليها قليلا ثم يغازلها ويخفف عليها ببعض الكلمات الحلوة ويحثها على الصبر وان الغد سيكون افضل وسيجمع مقدار من المال يقدر ان يفتح به مشروع في تونس ويعيله هو وعائلته السعيدة في رغد العيش.
بقلم نادية التومي/ جويلية 2021
تعليقات
إرسال تعليق