القائمة الرئيسية

الصفحات

براءة، ومعذرة ..!

براءة، ومعذرة ..!

مَعذِرةً يا سادتي إِنْ قُلتُ: آه .
وما بوُِسعي غيرَ أن أقولَ: آه!
أَكلَّما فينا خَطَبتُم تُقسِمون بالكِتابْ؟
وحُرمة التَّاريخ، والثَّورةِ ، والتُّرابْ،
وبالدَّم المُراقِ مِن جِراحاتِ الشَّهيدْ
نُورًا على جَبين أَمسِنا المَجيدْ،
بأنَّكم دومًا لنا- نحن الشبابْ-، 
وأنَّكم ستَفتحون كلَّ بابْ،
وأنَّكم...، وأنَّكم...، وأنَّكمْ...،
وكلُّ شيءٍ عندكم- كما ادَّعَيتم- بِحسابْ.
لكنَّما لاشيءَ ممَّا قُلتموهُ قَبلُ كانْ
لاشيءَ مِنكم مُرتجى سوى الخِذلانْ،
لا عهدَ، لا التِزامَ ،لا مَيثاقْ،
لا عِزَّ، لا انعِتاقْ..،
فمِلءُ كلِّ قَبضةٍ هَباءْ،
وكلُّ خُطوةٍ إلى الوراءْ،
وكلُّكم أخْلفُ مِن عُرقوبْ،
وكلُّكم أَروَغُ مِن كَذوبْ،
وكلُّكم أشْباهْ.
وما بوُسعي غيرَ أن أقولَ: آهْ!
يا سادتي؛
هيهات بعد اليوم أنْ يَخدعَني مِنكم خِطابْ،
أو أن تَغُرَّني الوعودُ والأمانِيُّ العِذابْ،
ولو أتتْ مَشفوعةً بأغلظِ الأَيـمَانْ،
لأنَّني خُدعتُ ألفَ مرَّةٍ كما الشّبابْ،
وصرتُ أحيَى غُربتي بلا انتسابْ
في وطنٍ مُحنَّطِ الجُثمانْ،
تَقذفُني الهمومُ والأحزانْ
مِن صَهَواتِ الخمرِ والأفيونْ
إلى مَهَامِهِ الجُنونْ،
وتَستبدُّ بِي لَوَاسعُ الإِياهْ
وما بوثسعي غيرَ أن أقولَ: آه!
وحينَ يرحلُ النَّهارْ
ويُعلنُ المساءُ حالةَ الحصارْ
تَبصُقُني مرافئُ المدينة المُحاصَرَهْ
على مَرايا غُربتي المُهاجِرهْ،
أَهِيمُ كالسُّليكِ فيها ثائرَا،
وإنْ هَجعتُ خائرَا
فمَفْرَشي الثَّرى
ومَلحَفي العَرَا،
وليس يَسمعُ الشَّكاةَ مِنِّي غيرُ اللهْ
وما بوُسعي غيرَ أن أقولَ: آهْ!
يا سادتي؛
ما أغبنَ الفتى!
مُغتربًا في وطنِهْ
مُستوطِنًا في شَجَنِهْ
كبُلبلٍ مُكبَّلٍ في قفصٍ على حَزَنْ
يُعييهِ أن يُجيبَ عن "إلى متى؟"
حتَّى يَلفَّهُ الكفنْ
يا سادتي؛
ما أتعسَ الإنسانَ فينا مُلجَمَ اللِّسانْ!
ومُرمَدَ العَينيْنِ والجَنانْ،
يُضمِّدُ الجراحَ بالجراحْ،
ويَغسلُ النُّواحَ بالنُّواحْ،
ولا يزالُ يَنتظرْ
قافلةَ السَّيَّارةِ المسافرينْ
مِن عهدِ يَعقُوبَ الحزينْ،
مِن غَيرِ أن يَقطعَ شَعرةَ الرَّجاءِ في حُشاشَةِ الأثرْ،
عسى تَمُرْ،
فتسمعَ النِّداءَ مِن قَرارةِ الجُبِّ السَّحيقء
مِن عُمقهِ العميقْ.
يا سادتي؛
مَنْ لِلضَّلُولِ البائسِ الوَلهانْ؟
يَرنُو إلى غَمامة الدُّخانْ،
وفي سَنَا عَينيهِ لَهفةٌ إلى المطرْ،
حتَّى إذا ما انقَشَعَت وانفَلَقَ القِناعْ
أحسَّ بالضَّياعْ،
وانتحرتْ مُناهْ.
وما بالوسعِ غيرَ أن يقولَ: آهْ!
يا سادتي؛
براءة ٌ، براءةٌ مِنكم، و مَعذِرهْ!
براءةٌ ، براءةٌ ، و مَعذِرهْ!
براءةٌ ، لكم نَعيمُكم ولي الشَّقاءْ..،
براءةٌ ، لكم قُصُوركم ولي العَرَاءْ ..،
براءةٌ ، لكم رَشَادُكم ولي الجُنونْ..،
براءةٌ ، لكم حُبُوركم ولي الشُّجونْ..،
وما بوُسعي غيرَ أن أقولَ: آهْ!
فهل ستمنَعُون عنِّي قولَ :"آهْ "؟!!
بقلم الشاعر الكبير/هندل الصالح
المنتدى العالمي للأدباء والكتاب العرب

تعليقات