القائمة الرئيسية

الصفحات

الأقصى وهرطقة الموتورين

الأقصى وهرطقة الموتورين

الأقصى وهرطقة الموتورين

الأقصى وهرطقة الموتورين
صخر محمد حسين العزة 

قال الله تعالى في سورة الإسراء - الآية ١: ( سُبحان الذي أسرى بعبدهِ ليلاً من المسجدِ الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله ، لنُريهُ من آياتنا إنَّهُ هو السميع البصير ) 
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا تُشدُّ الرِحال إلا إلى ثلاثةُ مساجد ، المسجد الحرام ومسجدي هذا والمسجد الأقصى ) رواهُ البُخاري 

أرض فلسطين جنة الله على الأرض وبوابة السماء هي أرض طاهرة فيها العديد من الأنبياء والرسل منهم من كان مولده فيها أو لهُ أثراً وموطئَ قدمٍ فيها وهي أرض الصحابة الذين عمّدوا بدمائهم أرضها الطهور ، وهي أرض الشهداء الذين لا يزالون يضحون بدمائهم من أجل تحريرها من العدو الصهيوني ، وأهمُّ شيءٍ انها أرض الإسراء والمعراج حيث عرجَ رسول الله صلى الله عليه وسلم من المسجد الأقصى في القدس الشريف إلى السموات العُلى وهو أولى القبلتين وثالث الحرمين ، وأول مجموعة بشرية سكنت القدس هم اليبوسيون الذين منهم الكنعانيون الذين سكنوها بتاريخ( ٣٠٠٠- ١٥٥٠ ) قبل الميلاد وهم الذين بنوا مدينة القدس واسموها أور سليم ( نور سليم ) أما بالنسبة للمسجد الأقصى فهو أكبر مساجد العالم بعد المسجد الحرام في مكة ويقع داخل البلدة القديمة في القدس وتبلغ مساحته ( ١٤٤٠٠٠م٢ ) مائةٌ وأربعٌ وأربعونَ ألف مترٍ مربع ويشمل قبة الصخرة والمسجد القبلي والمُصلّى المرواني ، وعدةُ معالم أُخرى يصلُ عددها إلى مئتي مَعْلَم وسُميَّ بالمسجد الأقصى لبُعده عن المسجد الحرام ، وكان أبعدُ مسجدٍ عن أهل مكة في الارض يُعظَّمُ بالدين، وكان إسمه سابقاً البيت المُقدَّس أي المُبارك والمُطهَّر ، ولا يُعرفُ متى بُنيَ لأول مرة وقد ورد في حديثٍ لرسول الله صلى الله عليه وسلم أنَّ بناءه كان بعد بناء الكعبة بأربعين عاماً ، فعن أبي ذر قال : ( قُلتُ : يا رسول الله أيُّ مسجدٍ وُضِعَ في الأرض أول ؟ قال : المسجدُ الحرام ، قُلت : كم بينهما ، قال : أربعون سنة ) 

لقد كثُر الحديث والأقاويل عمن بنى المسجد الأقصى ، وهو ثاني مسجد وضِعَ في الأرض بعد المسجد الحرام بأربعين سنة ، واختلف المؤرخون فيما بينهم حول من وضع اللبِنة الأولى في بنائه ، فمنهم من قال أنَّ آدم أبو البشر هو من بناه ، والبعض يقول أنَّهُ سام بن نوح عليه السلام ، وآخرون قالوا أن سيدنا إبراهيم عليه السلام هو من بناه ، وكان أول بناءٍ لهُ من الطوب اللبن ، لِذا فقد أُعيد بناؤه أكثر من مرّة على مرِّ العُصور ، وكان أول بناءٍ للمسجد الأقصى يمتازُ بالروعة والفخامة في عهد الأمويين ، وتعرَّضَ بعد ذلك لهزَّةٍ أرضية ، وتهدمَ منه الجانب الغربي والشرقي ، وأعاد بناءه الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور، ثم وقعَ زلزالٍ آخر ، فأعاد ترميمه الخليفة العباسي المهدي. 

لقد آثرتُ قبل أن أخوض في موضوعي الذي أنا بصدده بأن أُسلِّط إضاءةً موجزة عن فلسطين بشكلٍ عام وعن مدينة القُدس خاصةً والأقصى تحديداً لأهميتهما الدينية والتاريخية والجغرافية للعرب وللمسلمين وليست تخُصُّ أبناء فلسطين وحدهم ، ولكي ندحض كلامَ المشككين في موقع وقدسية هذه الأرض المباركة وتحديداً القدس والأقصى الشريف .

قال تعالى في سورة الحجرات - الآية ٦ : ( يا أُيها الذين أمنوا إنْ جاءكُم فاسِقٌ بنبأٍ ، فتبيَّنوا أن تُصيبوا قوماً بجهالةٍ ، فتُصبحوا على ما فعلتم نادمين ) .

كثُرَ الحديث واللغط من بعض الموتورين ممن يُسمون أنفُسهم مُفكرين أو عُلماء دين أو صحافيينَ وإعلاميين ، حولَ التشكيك بموقع المسجد الأقصى وحتى بموقع مدينة القدس كُلِّها وأتساءل لماذا هذا التشكيك الذي يحصلُ مُنذُ سنوات ليست ببعيدة ؟ 
ومن وراء هذه الإفتراءات التي يتشدَّقُ بها بعضُ المأفونين الذين يحسبون أنفُسهم عُلماء ومُفكرون ؟!! . 

ولو عُدنا للبحث في ذلك لنرى من يقوموا بنشرِ هذه الإفتراءات لوجدنا أنهم بعضٌ من المُستشرقين ، وبعضٌ ممن يُحسبون على الدين الإسلامي والدين منهم براء، وأنَّ من كان وراء نشر هذا الضلال هو يهودي يُدعى دانيال باييس وهو كبيرُ مُساعدي بنيامين كاهانا إبن الحاخام الإرهابي مائير كاهانا مؤسس رابطة الدفاع اليهودية، نفى فيها أهمية القدس والمسجد الأقصى، ونشر مزاعمه تلك في عام ١٩٩٩م ( منقول عن كتاب الدكتور محمد عمارة - القدس بين اليهودية والإسلام ) ومما ورد في هذا الكتاب أيضاً عن يهودي آخر إسمه الدكتور موردخاي كيدار وهو أستاذ مُحاضر في جامعة باريلان الصهيونية ، إدَّعى إنَّ المسجد الأقصى هو في مكان إسمهُ الجُعرانة يقعُ بين مكة والطائف ، وبناءاً على كلام هذين الصهيونيين إستقى يوسف زيدان أقاويلهُ وتشكيكه في مكان وجود المسجد الشريف ، وله سابقةٌ في الطعن والتشكيك في تاريخ وموروثات الإسلام عندما طعنَ وتهجَّمَ على صلاح الدين الأيوبي مُحرر القدس والأقصى الشريف أذ قال في مُقابلة له في قناة الجزيرة مع الإعلامي أحمد منصور : أن صلاح الدين الأيوبي أحقرُ شخصية في التاريخ. 

وغير هذا الكثير من الموتورين من إعلاميين ورجال دين وغيرهم ، فمنهم من قال أنَّ المسجد الأقصى في اليمن ومنهم من قال أنه في مصر ، ووصلَ الأمر ببعض الدُخلاء على الدين أنه لا وجود له على الأرض بل هو في السماء ، وشخصٌ آخر ممسوسٌ في عقله قال أن صلاةً في مسجدٍ في أوغندا لهو أفضل من الفُ صلاة في المسجد الأقصى .

ولكُلِّ ذلك أحببت أنْ أورِدَ بعض الأمور التي تدحضُ أقوال هؤلاء ، ويمكنُ لكُلِّ إنسانٍ مُفكِّرٍ وحصيف أن يعرف بُطلان وكلام هؤلاء الموتورين مما يلي:

أولاً : لقد ذكرت في مُقدمتي كم مرةٍ قد تعرَّضَ المسجد للهدم ، فحول ما يقول بعضُ المشككين أن المسجد الأقصى تم بناءه في عهد الأمويين، فهذا صحيح كما ذكرتُ آنفاً، ولكن أصلُ تقديسُ هذا المكان يعود إلى أنَّ الرسول عليه الصلاة والسلام عندما أُسري بهِ إلى السماوات لم يكُن يوجد به بناءولكن أتى المعنى اللغوي لمكان سجود رسول الله فيه، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( وجعلتُ لي الأرضُ مسجداً وطهوراً ) - مُتَّفقٌ عليه - فالمعنى الذي يُقصدُ به بناءٌ مُحدد، فالمقصود في الآية في مكة والقدس مكان الصلاة والسجود ، وحينها أيضاً لم يكُنْ المسجد الحرام مبنيّاً فهل ننفي وجود المسجد الحرام في مكة كما ينفون وجود المسجد الأقصى في القدس في فلسطين. 

ثانياً : عندما أُسريَ برسولنا الكريم من المسجد الحرام في مكة إلى المسجد الأقصى في فلسطين ، فقد أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم مُشركي قُريش عن قوافلها في الطريق ، وسأله أهلُ قُريش عن بيت المقدس ، فرُفِعَ لهُ كأنه ينظُر إليه ، فلم يُصدِّقهُ بعضهم ، وصدَّقهُ بذلك أبو بكر ولُقِّبَ بالصِديق لذلك .

ثالثاً : في رحلة إسراء الرسول صلى الله عليه وسلم من المسجد الأقصى إلى السماء فُرِضت الصلوات الخمس ، وكان الأقصى قِبلةَ المُسلمين لمُدَّةٍ تُقارب إثنتي عشر سنة حتى نزل قولهُ تعالى في سورة البقرة - الآية ١٤٤ : ( قد نرى تقلُّبَ وجهك في السماء ، فلنولينَّكَ قِبلةً ترضاها ، فولِّ وجهكَ شِطر المسجد الحرام ) .

رابعاً : قال صلى الله عليه وسلم: ( لا تُشدُّ الرِحال إلا إلى ثلاثةُ مساجد، المسجد الحرام ومسجدي هذا والمسجد الأقصى ) - رواهُ البُخاري- وقد طبّقَ الصحابةُ ومن تبِعهم ذلك ، فكيف يأتي اليهود ومن والاهم لينفوا وجود المسجد الأقصى في القدس الشريف في فلسطين . 


خامساً : ماذا يقول هؤلاء الموتورين عن سفر عُمر بن الخطاب آلاف الأميال من المدينة المنورة إلى بيت المقدس من أجل إستلام مفاتيح القدس ؟!!! هل كان ذلك عبثاً ؟!!


سادساً : لقد جرت العادة أن يزور الحُجاج المسلمون القدس وعلى مدى ألفٌ وأربعمائة عام من أجل تقديس فريضة حجِّهم في مكة وثبَّتها رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث السابق عن شدِّ الرِحال إلى المسجد الأقصى ولم يوقفهم عن ذلك إلا الإحتلال الصهيوني الغاشم .


سابعاً : إحتواء قُبّة الصخرة التي تقع ضمن حرمِ المسجد الأقصى على الصخرةِ المُشرَّفة التي تحملُ أثرَ قدمِ الرسول عليه الصلاة والسلام التي عرجَ منها إلى السماوات العُلى .

ثامناً : إنَّ مسجد الجُعرانة الذي يتحدثون عنه أنهُ المسجد الأقصى يبعُد تسعٌ وعشرون كيلو متراً عن المسجد الحرام ، وهذا المسجد أحرم فيه الرسول صلى الله عليه وسلم للحجِّ إلى البيت الحرام ، ولكن المسافة بين المسجد الأقصى في فلسطين والمسجد الحرام حسب الإسراء والمعراج وحسب وصف الرسول قافلة قُريش تستغرقُ ثلاثة أيام ، دليل على أن المسافة أطول عندما تقطعها من مكة إلى فلسطين ، أما المسافة بين مسجد الجُعرانة والمسجد الحرام يمكنُ أن نقطعها سيراً على الأقدام خلال ساعاتٍ قليلة .

تاسعاً : بعضُ ما يُسمون أنفسهم عُلماءٌ في الدين من عُلماء الشيعة يقولون أن المسجد الأقصى لا وجود له على الأرض بل هو في السماء ، فكيف يقول الله عزَّ وجلْ في مُحكمِ كتابهِ الكريم في سورة البقرة - الآية ١٥٠ : ( ومن حيثُ خرجت فولِ وجهك شَطرَ المسجد الحرام، وحيثُ ما كُنتُم فولوا وجوهكم شَطرهُ لئلا يكون للناس عليكم حُجّةٌ ، إلا الذين ظلموا منهم فلا تخشوهم واخشوني ، ولأتم نعمتي عليكم ولعلَّكم تهتدون ) وقال تعالى كذلك في سورة البقرة - الآية ١٤٤ : ( وما جعلنا القبلة التي كُنت عليها إلا لنعلم من يتَّبِع الرسول ممن ينقلبُ على عقبيه وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله ) فكيف يطلبُ هؤلاء منا أن نتجه إلى المسجد الحرام والمسجد الأقصى وأحدهما في الأرض والآخر في السماء حسب قولهم .

أخيراً أقول وأدعو إلى صحوة إسلامية ومحاربة كُل من يُشكّك في أصول ديننا ومعتقداتنا ، فإنَّ كُلّ ما يُشاع من إفتراءات وتشكيك وتضليل ما هي إلا مزاعم صهيونية هدفُها زعزعة الثقة في ضِعاف النفوس من المُسلمين لكي يُمهِّدوا الطريق لهدم المسجد الأقصى وبناء هيكلهم المزعوم مكانه .

إنَّ عوامل التشكيك والتضليل هي أكبرُ عامل من عوامل الهدم ، وخاصةً في ضِعاف النفوس ، وإذا اردت ان تُهلِكَ أُمّة ما عليكَ إلا أن تُشككها في مُعتقداتها ومُسلماتها وموروثاتها ، فالتشكيك في مكان المسجد الأقصى هو تشكيكٌ في حادثة الإسراء والمعراج ذاتها التي شُرِعت فيها الصلوات الخمس التي هي اهمُّ رُكنٍ من أركان الإسلام ، فالذي يدعو لذلك إنما يدعو لهدم الدين ، فعلينا الحذر من هذه التُرَّهات ، وعدم الإصغاء لعُلماء النفاق والمأجورين الذين يُريدون أن يُحيدوا الناس عن دينهم .
صخر محمد حسين العزة 
 عمان - الأردن 
26 / 5 / 2022
المنتدى العالمي للأدباء والكتاب العرب

تعليقات