القائمة الرئيسية

الصفحات

شكوى الوطن الجريح

شكوى الوطن الجريح

أوَّاهُ  من ولهٍ تهادى وانتشى،
وتفتَّحت أكمامُ شوكهِ في الحشا،
وعلى مساماتِ الجراحْ ،
كالجمرِ تُلهِبُه الرِّياحْ ،
أوَّاهُ لوْ أنَّ الدُّموعْ
مطرٌ يُطهِّر ما تكدَّس في الضُّلوعْ
لمَّا يُواردني النُّواحْ ،
كالحبِّ ، كالطُّوفان، كالحُلمِ المشاعْ،
كالطفل يَصرخ حين يكفُلهُ الضَّيَاعْ.
يا صاحبي؛ لا تَعتَبِرْ
شَكوايَ نجوى مُحتضِرْ،
لَمْ تَسكبِ الأيَّامُ في هذا البدنْ
إلا أفاويقَ المحنْ،
وعُصارةَ الألم الصَّهيرِ المحتقَنْ.
يا صاحبي ،
تَتَململُ الذِّكرى وتَشهَقُ في الْتِياعْ
بين المفاصلِ، في شُعيراتِ النُّخاعْ ،
حتَّى كأنَّ الِجلدَ يمْتشِقُ الحَسَكْ
أوراقُ صبَّارٍ تخشَّنَ واشتبكْ،
فإذا بأوْرِدتي دمِي
ملح وكبريت ونارْ ،
وإذا بأنفاسي فمي
بركان آلام عشارْ.
يا صاحبي؛
دعني أسلُّ الحرفَ من عمقي السَّحيقْ
متوهجا بسنا دمي ،
كالورد ،كالشفق المولَّهِ ، كالحريقْ ،
كالفجر، كالسُّحب الثِّقالِ تخضَّبت لَهَب البروقْ.
دعني ! لعل الغَيظ يعتَصرُ المطرْ
من غيمةٍ في النَّفس تعتزمُ السَّفرْ.
دعني أصارع وحشتي ،
فالليلُ فوق مدينتي
عيناهُ لي - يا صاحبي - أُحبولتان ْ،
والبُؤبؤانِ العنكبانْ
خلف الظَّلامِ مرابطانْ 
يترصَّدانِ خطايَ في صمت عميقْ،
ويراقباني من مشارف سورها الهاري العتيقْ..
يا صاحبي؛ 
لا ترجُ عودةَ قارِبي 
دوني إذا غاب القمرْ.
لا تنتظرْ
من موجةٍ مُرتدَّةً في المدِّ جُثَّةَ منتحِرْ،
ما مات من حمَل الوطنْ
في قلبه الرَّحب الذي يسعُ الزَّمنْ، 
وتقرُّ في مينائه حيرى السُّفنْ.
ما مات مَن بالحرف رفرف وانطلقْ
حتى ولو عاش اغترابا، واحترقْ
في رحلة المنفى على جرح الوطنْ.
يا صاحبي ؛ أرجوك لا تطو العهودْ،
لا بد يوما أن أعودْ
سأعودُ لا تيأس كميلاد الربيعْ ،
كالسِّندِبادْ
أحْدُو بِنَاِيي مَوكِبَ الحُبِّ الوَديعْ،
وقوافلَ الحُلم الرَّضيعْ
في كل رابية ووادْ،
وأودِّع الآهاتِ والأنَّاتِ والألـمَ الدَّفينْ،
وأُقيمُ أعراسَ السَّنابلِ , وانْتِشاءَ الياسمينْ
في نظرة الوطنِ الحزينْ
 هندل الصالح " 1989 "
المنتدى العالمي للأدباء والكتاب العرب

تعليقات