عقوق الآباء للكاتب أ. صخر محمد العزة
عُــقــوق الآباء
من أجل أن تحصُدَ حصاداً طيباً وتجني ثِماراً طيبة عليك أن تُعنى ببذارك التي تزرعها وذلك باختيار التُربة الحسنة وحرثها واختيار الأسمدة الطبيعية وريِّها بالمياه النقية من أجل نمائها ولتحصل على أطيب الثمر ، وكذلك البناء القوي من أجل أن يخدمك طول العمر ، يجب عند تشييدهُ أن تكون أساساته قوية ، وذلك بما تزوده من مواد كافية وجيدة لضمان السلامة فكلما قللت من مواد سيكون نتاجها سُرعة الهدم وسقوط ما شيدت وبنيت ، وكذلك الحال بالإنسان ، فتنشئة الأبناء تحتاج إلى الرعاية والإهتمام من آبائهم لكي ينشأوا نشأة قويمة يكون نتاجهم عائدٌ على أسرتهم ومن ثمَّ على مُجتمعهم وأمتهم .
ولهذا فقد جاء الإسلام للبشرية مُنقِذاً لها من الضلال والضياع وجاء ناسخاً لما سبقه من الديانات السماوية ، ووضع سيدنا مُحمداً منهجاً تهتدي به البشرية جمعاء أساسه كتاب الله عزَّ وجلْ - القرآن الكريم -وسُنته ، وبه نشأت دولة الإسلام وسارت على نفس الخُطى دول الإسلام اللاحقة ، فالإسلام نظَّمَ الحياة الإنسانية للناس بجميع تعامُلاتها مبنيَّةً على التربية الإسلامية التي عمادها الفضائل والأخلاق ، وكان التركيز على بناء الأسرة المسلمة وتربيتها تربية إسلامية قويمة ، لأن أساس نهضة الأمم يعتمد على تنشأة الآباء لأبنائهم الذين هم عِماد الأسرة من الأب والأم .
والموضوع الذي أودُّ طرحه وقد تستغربون هذا الطرح ألا وهو عقوق الآباء لأبنائهم وليس عقوق الأبناء لآبائهم ، وكما قلت سابقاً أن تربية الأبناء له الدور الكبير في بناء المجتمعات السليمة وفي نهوض الأمم وكل ذلك يقع على عاتق الآباء والأمهات ، فكيف يكون عقوق الآباء؟ .
الإسلام أوجب على الأبناء طاعة آبائهم وفرض عليهم أوامر وإلتزامات وواجبات نحوَ آبائهم وجرَّمَ عقوقهم وجعلها من الكبائر ، ولكنه بالمقابل أيضاً على الآباء واجبٌ نحو أبنائهم ، فأمر الله عزَّ وجلْ الآباء ببرِّ أبنائهم والإحسان إليهم ، وتوفير سُبل الحياة الكريمة لهم ، ومن لم يقُم بذلك من الآباء والأمهات ، يُعتبرُ عقوقاً لأبنائهم ، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلَّم :( كُلكم راعٍ وكُلَّكم مسؤولٌ عن رعيته ، والرجل راعٍ في أهله وهو مسؤولٌ عنهم ، والمرأة راعيةٍ في بيت زوجها ومسؤولةٌ عن رعيتها ) عن صحيح البخاري وكان رسول الله صلى الله عليه وسلَّم يقول لأصحابه رضوان الله عليهم: ( إرجعوا إلى أهليكم فأقيموا فيهم وعلِّموهم ومُروهم ) عن صحيح البخاري .
ومن أوجه عقوق الآباء لأبنائهم ما يلي :
أولاً : التفرقة :
التفريق بين الأبناء في العدل القلبي والتعامل معهم ، بأن يخص الأب أو الأم أحد ابنائهم بالعطف والرعاية وتلبية حاجاته عكس أخوته الآخرين ، وهذا مما يولد الضغينة بين الأخوة ويكون دافعاً للعقوق ، كقصة إخوة يوسف عليه السلام عندما شعروا أن والدهم سيدنا يعقوب عليه السلام يُحب يوسف أكثر منهم فكادوا له وألقوه في البئر
ثانياً : البُخل :
التقتير وعدم توفير مستلزمات ومتطلبات الحياة للأبناء وأهمها التعليم مما يجعله أمام أقرانه أقلَّ شأناً أمامهم فيولِّدُ في نفسه الضغينة ، رُغم أن الأب يكون مُقتدراً ، وقد يكون ذلك لأسباب وتبريرات لا معنىً لها ، مما يولِّدُ الكُره والبغض من الأبناء لأبيهم أو أُمهم . قال رسول الله صلى الله عليه وسلَّم : ( كفى بالمرء إثماً أن يحبس عمَّن يملك قوته )
ثالثاً : إنشغال الأب أو الأم بحياتهم وشؤونهم الشخصية
وعدم الإهتمام بأبنائهم ومتابعة شؤونهم ومعرفة من هم أصحابهم الذين قد يكونوا رفاق سوء ، فيشذون عن الطريق القويم ، وهذا سيجعلهم ينقمون على آبائهم في لحظة لا ينفع فيها الندم ، لأن آباءهم لم يكونوا يوجهونهم ويرشدونهم إلى الصلاح .
رابعاً : التربية الدينية :
تربية الأبناء التربية الدينية وحضِّهم على أداء شعائر الإسلام ، ويكونوا هم القدوة لهم في ذلك .
خامساً : حرية الإختيار :
إعطاء الحرية للأبناء باختيار مستقبلهم ، فلا يجب على الأب أن يفرض على إبنه أن يكون طبيباً أو مهندساً مثله ، بل يترك له حرية اختيار مستقبله حسب توجهاته ورغباته ، ويكون مهمته هو التوجيه والإرشاد لإبنه .
سادساً : القسوة والشِدة :
لا يمكن أن تكون القسوة والشدة والضرب سبيلاً ناجحاً للتربية السليمة واتباع العقاب على أتفه الأسباب يولد الحقد والضغينة والعداء باتجاه الآباء والأمهات
سابعاً : تعامل الأب مع زوجته أمام أبنائه
يجب ان يكون مبنياً على الإحترام ، حتى لا تفقد الأم هيبتها أمام أبنائها .
ثامناً :
إهانة الإبن وتقريعه والتصغير من شأنه أمام زملائه ، قد يجعله إنطوائياً ويفقد الثقة بنفسه وبمن يتعامل معه والحقد على أبويه .
تاسعاً : توزيع الميراث :
يجب العدل في توزيع الميراث وحسب ما نصَّت عليه الشريعة الإسلامية ، فلا يحقُّ للأب أو الأُم أن يحرم أحد الأبناء أو ينتقص من حقه الشرعي لأيّ سببٍ من الأسباب ، وخاصة أكثر ما يقع الظلم في ذلك على الإناث ، فلا يجوز أن يُقدِّمَ أحداً على أحدٍ بأن يُعطي أحداً ويمنع عن الآخر ، بل عليه أن يتبع ما نصَّ عليه الشرع وديننا الحنيف .
عاشراً : التفكُك الأُسري :
إنَّ التفكُك الأُسري والخلافات بين الزوجين يؤدي إلى تشتُّت الأبناء وخاصة إذا كان الأب على علاقة بإمرأة أخرى غير زوجته ، مما يؤدي إلى شرخ كبير في الحياة الزوجية ، ويؤدي إلى نشوب الخلافات بين الأبوين ويؤدي إلى إهمال الأبناء ، عدا عن تحطُّم صورة القدوة الممثلة بالأب في عيون أبنائه ، ودمار حياتهم مُعلق في رقبة أبيهم .
الحادي عشر : الإستبداد في الرأي :
إظهار الآباء أنهم دائماً على حق وأنَّ أبناءهم دائماً هم مُخطئون ، ولا يعطوهم مجالاً لإبداء آرائهم والتشاور بينهم ، مما يؤدي إلى إحداث فجوة كبيرة فيما بينهم ، فإن احترام آراء الأبناء وسماعهم والتحاور معهم ، وإقناعهم بالحسنى هو السبيل للتربية الصالحة ، ولا يجب على الآباء والأُمهات أن يعتبروا أنفسهم ملائكةً لا يُخطئون ، ويجب عليهم أن يدركوا أيضاً أن المرحلة التي يعيشها أبناؤهم هي غير مراحل حياتهم التي مروا فيها وعليهم أن يدركوا أن الأجيال المختلفة تختلفُ بتفكيرها من جيل لآخر وكلُّ جيلٍ له أفكاره وتوجهاته التي تختلف عن الأجيال السابقة من مفاهيم وأمورٍ أخرى . ومن أنواع الإستبداد حالياً أن يفرض الأب على إبنته الزواج من شخصٍ لا تريده وترفضه ، فموافقتها حقٌّ شرعي ، يسبق موافقة والديها ، وتأتي بعدها موافقتهما حسب تقييمهما للشخص المتقدم لها بأمانة بدون تزمُّتٍ برأيهما ، وإن كان لا يُناسب فيكون التوجيه لها بالنُصح والإرشاد .
الثاني عشر : أن يُحسِن الآباء اختيار الأسماء لأبنائهم وأجملها
حتى لا يُحرجُ من إسمه عندما يكبُر ويسخرُ منه أقرانه وكما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، عن ابي داود وعن الدارمي وعن إبي الدرداء : ( إنكم تدعون يوم القيامة بأسمائكم وأسماء آبنائكم ، فحسِّنوا أسماءكم ) وقد روى مُسلم عن الترمذي وعن ابن عمر إذ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إنَّ أحبَّ أسمائكم إلى الله عبد الله وعبد الرحمن ) .
وأخيراً :
أقول أن العقوق مرضٌ من أمراض المُجتمع يجب علينا علاجه باللجوء إلى التربية الدينية النابعة من قُرآننا الكريم ومن سُنة نبيِّنا صلى الله عليه وسلَّم ، وعلى الآباء أن يستثمروا في بناء وتربية أبنائهم قبل أن يستثمروا في تنمية أموالهم ، وكم من فقراء كانوا متفوقين وعلماء ووصلوا إلى أعلى درجات العلم ، وذلك لحُسن تربيتهم ورعايتهم من آبائهم ، فالتفوق وحُسن التربية لا علاقة له بفقرٍ أو غنىً ، ولكن علاقتة بالتربية والبذل والعطاء والإهتمام بالأبناء ، ولذلك ومن أجل قيام أسرة قويمة يجب أولاً السعي لتوطيد علاقة الأبوين بالله سبحانه وتعالى ، فتقوى الأبوين لله تعالى تكون بمثابة الدرع الواقي للأبناء وهي من الأسباب الميسرة أيضاً لنجاة الأبناء وبناء مُستقبلهم ، قال تعالى في سورة النساء – الآية9: { وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُواْ مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُواْ عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيدًا } .
صخر محمد حسين العزة
عمان – الأردن
11 / 6 / 2022
المنتدى العالمي للأدباء والكتاب العرب
تعليقات
إرسال تعليق