القائمة الرئيسية

الصفحات

أدعياء نسب النبوة

أدعياء نسب النبوة

أدعياء نسب النبوة 

أدعياء نسب النبوة 
للعالم الجليل/ صخر محمد العزة 

قامت دولة الإسلام في الجزيرة العربية وأرسى قواعدها سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم في المدينة المنورة ومكة المكرمة، وبعد وفاته أكمل المسيرة الصحابة الكرام بدءاً من الخلفاء الراشدين - أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب وعلي ابن أبي طالب وعثمان بن عفان رضوان الله عليهم  ، وقد تخلل فترة خلافة أبو بكر الصديق بعض القلاقل وذلك بسبب المرتدين الذين دخلوا الإسلام نفاقاً في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك للحفاظ على مصالح خاصة ، أو مكاسب معينة ، والأدهى من ذلك أن بعض الأشخاص ممن ارتدوا قد إدعوا النبوة كأمثال مُسيلمة الكذاب ( مسيلمة بن ثمامة بن كثير بن حبيب الحنفي )، وسُجاح بنت الحارث ومالك بن نويرة ، وبعدها تم إخماد تمردهم بما عُرف بحرب الردة، ثم بعد الخلفاء الراشدين تتابعت دول الخلافة الإسلامية، وقد امتدت الخلافة الإسلامية في فترةٍ زمنية طويلة غطت معظم العصور الوسيطة على مساحة جغرافية واسعة إمتدت إلى  حدود الصين في آسيا إلى غرب آسيا وشمال إفريقيا وصولاً إلى الأندلس وقد امتدت هذه الفترة منذ تأسيس الدولة الإسلامية في المدينة المنورة على يد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم الخلفاء الراشدين مروراً بالخلافة الأموية  في دمشق التي امتدت من حدود الصين حتى جبال البرانس في شمال الأندلس ثم الخلافة العباسية وشملت  هذه الفترة دولاً وإمارات أخرى موزعة مثل السلاجقة والبويهيين، وفي المغرب الأدارسة والمرابطون ومن ثمَّ الموحدون وفي بلاد الشام الحمدانيون والزنكيون وفي مصر الفاطميون ومن ثمَّ في الشام وفي مصر الأيوبيون والمماليك، ثم في النهاية الخلافة العثمانية التي سيطرت على رقعةٍ جغرافيةٍ واسعة في العالم .

ولهذا وبحكم هذا الإنتشار فقد اختلط العرب مع الأمم الأخرى، وتكونت علاقات اجتماعية من تزاوج ومصاهرة مع الأمم الأخرى التي كانوا فيها، وكثير من أبناء هذه الأمم إعتنق الإسلام . 

والذي رغبت في توضيحه في مقالي هذا أن بعض من دخل الإسلام، دخلوه نفاقاً ولمآرب ومصالح شخصية، والذي جعلني أطرح هذا الموضوع هو الحديث الذي يدور حول نسب ملكة بريطانيا الملكة اليزابيث وأن نسلها يعود إلى سلالة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولتوضيح ذلك أقول أن بعض الغُزاة الذين احتلوا بلادنا العربية، ولكبح جماح ثورة الناس عليهم قد تصنَّعوا بأنهم قد أسلموا أو تقربوا للإسلام أو أعلنوا إنتسابهم إلى قادة مسلمين أو إلى سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وهذا ليس مقصوراً على قادة الغرب الذين غزوا بلادنا، بل امتد إلى زعماءٍ عرب نسبوا أنفسهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد يكون بعضهم نسبُ بعضهم صحيحاً فعلاً، وقد يكون فقط لكسب ود وتعاطف شعوبهم معهم وعدم الثورة عليهم، وأشير بهذا الخصوص إلى ما قام به نابليون بونابرت عندما دخل مصر وأعلن إسلامه ناطقاً بالشهادة، وشكل مجلساً من تسعة أشخاص من وجهاء مصر وعلماء الدين وشيوخها، وأطلقوا عليه إسم علي بونابرت حتى أنه كان يلبس لباساً عربياً دينياً زيادة في الخداع لتأكيد أنه منتمٍ للمسلمين، وكل ذلك كان من أجل أن يكسب دعم السكان المحليين في مواجهته للقوات العثمانية التي هاجمت مصر، وعندما عاد إلى فرنسا وقَّعَ ميثاقاً مع البابا بيوس السابع في عام ١٨٠٣م وتم تنصيبه في كاتدرائية نوتردام بحضور البابا، فهو كان يعتبر الدين مجرد وسيلة للبقاء في الحكم وتمرير سياساته، وفي أثناء الثورة الفرنسية وفي الحرب الأهلية
( حرب فونديه ) عام ١٨٠٠م بين الجمهوريين والملكيين إدعى إنه كاثوليكي، ولهُ قول يقول فيه: ( إنه إذا حكم اليهود فسأعيد بناء هيكل سليمان لهم ) .

بناءاً على ما تقدم فقد أحببت الرد على من ينسبون نسب ملكة بريطانيا اليزابيث الثانية إلى نسب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولتوضيح حقيقة ذلك فقد تحدث مؤرخون عن أصولٍ عربية للملكة اليزابيث بعد إرجاع نسبها إلى ثلاثة وأربعين جيلاً إلى نسبها إلى سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وقد كان الإدعاء في المرة الأولى حسب صحيفة الديلي ميل البريطانية إلى عام ١٨٢٦م بعد أن كشفت هذه الحقيقة عن هيئة بولك وهي هيئة متخصصة في علم الأنساب وشعارات النبلاء في المملكة البريطانية، ثم أشارت بعد ذلك إحدى الصحف المغربية التي ذكرت أن نسل الملكة يعود إلى نسل سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وكان ذاك في عام ١٩٩٥م ، وقد ذكرت صحيفة بريطانية أن نسب الملكة اليزابيث يعود  إلى إيريك أوف كامبريدج خلال القرن الرابع عشر في إسبانيا خلال العصور الوسطى، ويعود نسبه إلى السيدة فاطمة بنت الرسول رضي الله عنها، وتشير الدراسة إلى دار بيرك التي ألمحت إلى إرتباط نسل الملكة بنسب النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وأن الملكة يتحدر نسبها إلى الأميرة زايدة أو زائدة حسب ما يقال التي كانت قد هربت من موطنها في إشبيلية في القرن الحادي عشر قبل اعتناقها المسيحية، وسجلات الأنساب في إسبانيا في العصور الوسطى تؤكد هذا الزعم أن نسب الملكة اليزابيث يعود إلى الأميرة زائدة الإشبيلية والتي حسب زعمهم إنها كانت زوجة ملك إشبيلية المعتمد بن عباد، وأنها حملت بإبن عباد سانشو، وتزوجت حفيدته بإيريك كامبريدج في القرن الحادي عشر، فالمعتمد بن عباد حسب إدعاءاتهم هو الجد الأكبر للملكة اليزابيث، فمن هي زائدة زوجة المعتمد بن عباد التي قالوا أنها من نسل الرسول صلى الله عليه وسلم، ولهذا سنتتبع شجرة عائلة الرسول صلى الله عليه وسلم كما ادعت صحيفة الديلي ميل والتي يبينوا فيها أن الملكة اليزابيث هي من نسل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وتبدأ الشجرة بالحسن بن علي ثم يتدرجوا إلى أن يصلوا إلى القاسم بن عباد ملك إشبيلية ثم إبنه المعتمد بن عباد ثم زوجته زائدة التي حسب إدعاءاتهم إنها غيرت دينها إلى المسيحية وغيرت إسمها إلى ايزابيلا بدلاً من زائدة، والمعتمد بن عباد كان هو آخر ملوك إشبيلية التي حكم فيها المسلمون الأندلس ما يقارب ثمانمائة سنة والأندلس هي شبه جزيرة إيبيريا وقد أطلق عليها المسلمون عندما فتحوها إسم الأندلس أو أندلوسيا أو جنة الله في الأرض وقد فتحها موسى بن نصير وقائده طارق بن زياد، وكانت تتكون الأندلس التي هي اليوم من إسبانيا والبرتغال وجزر البليار المكونة من مايوركا ونوركا ويابسة وفورومونتيرا وكابريارا وجزء من فرنسا، ونعود إلى المعتمد بن عباد لتوضيح الحقيقة فقد تزوج المعتمد بن عباد جاريته الرومايكية اعتماد التي عشقها واشتق إسمه من إسمها وسمى نفسه المعتمد على الله، وأما إسمه الحقيقي فهو محمد بن عباد بن إسماعيل بن قريش بن عباد بن عمر بن أسلم بن عمرو بن عُطاف بن نُعيم اللخمي، وبهذا ومن إسمه وإسم عائلته يدحض نسبه إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فإسم عائلته اللخمي فأين هم من آل هاشم ؟!! 
فلا يمت نسبه أو أصله بتاتاً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد زعموا أنه قد تزوج أربع نساء، ورابعتهم هي زائدة التي يقولون أن نسبها يمتد إلى فاطمة الزهراء رضي الله عنها  وإلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ولكن وبالعودة إلى كُتُب التاريخ نجد أن المعتمد بن عباد لم يتزوج إلا إمرأة واحدة وهي إعتماد الرومايكية وأنجب منها تسعة أبناء وبنات ومنهم يزيد بن المعتمد وعبدالله والظافر والتاسعة بثينة بنت المعتمد، ولهذا فهو لم يتزوج زائدة ولم يكن له إبنٌ منها إسمه سانشو والتي تزوجت حفيده إيريك كامبريدج، وابن عباد كان من ملوك الطوائف، فبعد أن تقطعت دولة الأندلس إلى أربع عشرة مملكة وعلى كل مملكة أمير ودبت الخلافات فيما بينهم وكانوا يستعينوا بالممالك الصليبية ضد بعضهم وكانت إشبيلية من ضمن الممالك وقد حاصرها الفونشو ملك قشتالة فاستنجد بن عباد بالقائد العظيم يوسف بن تاشفين، فهبَّ لنجدته وواجه الفونشو في معركة الزلاقة التي وقعت في ٢٣ أكتوبر عام ١٠٨٦م. وهزمه فيها هزيمة كبيرة، ثم غادر ابن تاشفين الأندلس وكان زاهداً ولم يأخذ شيء من غنائم المعركة ولم يعجبه حياة البذخ التي يعيشها ملوك الطوائف في الأندلس، ثم تكررت الواقعة للمرة الثانية فعاد وأنقذهم، ولكن توعدهم بأن يُنهي ملكهم إذا لم يحافظوا عليه، وفي المرة الثالثة أفتى له الإمام الغزالي أن يُطهر الأندلس من هؤلاء الملوك ليحافظ على دين الله، ولهذا فقد استنجد إبن عباد  بالفونشو ، فكان بذلك نهاية حكمه وقد حكم حتى عام ١٠٩٠م ومن ثمَّ قبض عليه يوسف بن تاشفين وعلى زوجته إعتماد وأبناءه وأودعه السجن في المغرب في اغماد، وكانت آخر علاقته في الأندلس عام ١٠٩٤م حيث مات  في المغرب، ولهذا فأن جدة الملكة اليزابيث التي قالوا عنها إنها تنصرت، كان ذلك بعد سقوط الأندلس أي في حدود عام ١٤٩٢م أي بعد نهاية المعتمد بن عباد بأربعمئة سنة، وهذا كله ينفي نسب الملكة اليزابيث إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، ويوجد رواية إسبانية أخرى تقول أن زائدة هذه عندما هاجم المرابطون إشبيلية استنجد المعتمد بالملك الفونشو، ولكنه لم يستجب في البداية لأن المعتمد سبق وإن خانه قبل ذلك، ولهذا فقدم المعتمد إبنته زائدة هدية إلى الفونشو، وقد انتقد علماء إشبيلية ذلك وكفروه وساعدوا المرابطين في الدخول إلى إشبيلية وإنهاء حكمه، ومقولة أخرى تقول أنها فرت من المرابطين إلى الفونشو وهنا تناقض في الأقوال، فروايات تقول إنها إبنته وروايات أخرى تقول إنها زوجته، وأما قولهم أنه أهداها إلى  الفونشو فهذا غير ممكن كملك مسلم رغم البذخ الذي كان يعيشه لأنه كان رجلاّ مؤمناً وحُراً ومقداماً ويعرف حدود الله ولا يمكن أن يقوم بفعلٍ كهذا حسب ما يدعون، أما بالنسبة لإدعاء فرارها إلى الفونشو، فكان من الممكن أن تفِرَّ إلى مملكة سرقسطة التي كان يحكمها بن هود، وقولهم أن زائدة هي إبنته فهو لخمي وأصلهم من العراق ورسولنا الكريم من آل هاشم من مكة المكرمة، ولو كان المعتمد بن عباد من نسب الرسول لطالب بالخلافة .

وختاماً أقول علينا دائماً في عصرنا هذا الذي انقلبت فيه الموازين وضاعت فيها الحقائق ولا نعرف صدق أو كذب ما ينشر أو ما يصلنا من أمور تُجانب الصواب، فعلينا أن نتحقق من كل ما يردنا من منشورات ولا ننشره إلا بعد أن نتأكد من صحته، حتى لا نقع في دائرة الشك وعدم المصداقية ، وأن كثير مما ينشر يكون من جهات مشبوهة تحاول التشكيك في ديننا وفي بديهيات حياتنا، قال تعالى في سورة الحجرات - الآية ٦: ( يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين )
صخر محمد حسين العزة 
عمان - الأردن 
14 / 9 / 2022
المنتدى العالمي للأدباء والكتاب العرب

تعليقات