التيك توك بين السلبية والإيجابية
التِك توك بين السلبية والإيجابية
العالم الجليل/ صخر محمد العزة
إن الله عزَّ وجلْ خلق الإنسان في أحسن تقويم، قال تعالى في سورة التين - الآية ٤ : { لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم } فقد ميَّزُ الله عن باقي الكائنات الحية بالعقل واللسان، فالعقل للتفكير والتدبُر، واختيار ما هو خيرٌ وما هو شر ، قال تعالى في سورة البلد - الآية ١٠ : { وهديناهُ النجدين } وكقوله أيضاً في سورة الإنسان - الآية ٣ : { إنّا هديناهُ السبيل إما شاكراً وإما كفورا } وعلى الإنسان أن يُميِّز الخبيث من الطيب، وهذا عائدٌ لكل نفسٍ وما كسبت، قال تعالى في سورة المدثر - الآية ٣٨ : { كلُّ نفسٍ بما كسبت رهينة } وأما اللسان فهو الناقل لما يصدره العقل من أوامر، والتي فيها إما صلاح الإنسان أو فساده، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أنس بن مالك: ( لا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه، ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه ) فعلى الإنسان أن يُفكر في كُل ما يفعله، وأن يعرف ماهية أي موضوعٍ يأتيه من خارج مجتمعه، وأن يختار ما يتناسب مع عاداته وقيمه وتقاليده، وأن كل فعلٍ أو كلمة محسوبة عليه أمام مجتمعه وأمام الله عزَّ وجلْ، قال الباحث والأديب عبدالوهاب عزام : [ الفكرُ لا يُحد، واللسان لا يصمت والجوارح لا تسكُن، وإن لم تشغلها بالعظائم إشتغلت بالصغائر، وإن لم تشغلها بالخير إنسغلت بالشر، فعلمها التحليق تكره الإنخفاض، وعرِّفها العِزَّه تنفرُ من الذُل ] فالجمال في اللسان والكمال في العقل .
وعلى مجرى التاريخ تطورت الحياة بتطور الإنسان بما يبدعه عقله من علومٍ تنفعه في حياته ومعيشته، ولكن أبت بعض النفوس الشريرة إلا أن تكون مُحركاً للشر ودماراً للبشرية بما تقدمه من أمور ونشاطات وسلوكيات تهدف إلى هدم إنسانية الإنسان التي فطره الله عليها، لأن الله فطر الإنسان على الخير واستخلفه في الأرض لإعمارها، وأرسل رسله بالشرائع السماوية التي تحض على مكارم الأخلاق، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه : ( إنما بُعثت لأُتمم مكارم الأخلاق) .
مع توسع الحياة وتطورها إنتشرت وسائل التواصل الإجتماعي لتكون وسيلة للتقارب بين الناس، ولتكون أيضاً وسيلةً هامةً لنقل العلم والمعرفة، ومن أجل الإستفادة أيضاً في مجالات العمل ، وبهذا انتشرت شبكات التواصل الإجتماعي بجميع أنواعها من فيس بوك وواتساب وتويتر، بالإضافة إلى تطبيقات أخرى مثل السناب شاب والريلز، والتِك توك، وكل هذه التطبيقات ليس للأمة العربية والإسلامية فضلٌ في اختراعها، بل نحنُ كعادتنا متلقون فقط لما يأتينا من الغرب ولا شيء من صنعنا أو اختراعنا، وهذه التطبيقات سلاحٌ ذو حدين، وقد سبق وكتبت عن هذه الوسائل وآثارها، ولكن ما علينا إلا أن نُحسن استعمالها والتعامل بها، فنحن لسنا ضد التطور ولا ضد ما يأتي من الغرب، ولكن يجب علينا أن نعرف كيف نتعامل بها ونستخدمها بالشكل الصحيح وتكون منها الفائدة، ونبتعد عما يتنافى مع أخلاقنا وقيمنا، وكما قال أبو العتاهية:
إذا اتضح الصواب فلا تدعهُ
فإنك كلما ذًقت الصوابا
وجدتَ على اللهواتِ برداً
كبرد الماء حين صفا وطابا
ولهذا أحببت أن أكتب عن هذه التطبيقات وتحديداً التِك توك، والذي انتشر كالنار في الهشيم، وأصبح له آثاراً مُدمرة على شباب الأمة وخاصة الجيل الناشئ وممن لا يزالوا في سن الطفولة، فالسؤال الذي يطرحُ نفسه، هل الخلل في هذا التطبيق أم في طريقة استعماله ؟!!
وأقول لماذا نُلقي باللائمة على الغرب الذي يزودنا بكُلِّ ما يجِدُّ لديه، ونحنُ في مكانك سِر ولا نطور أنفسنا، ونُلقي باللائمة عليهم وأنهم يريدون أن يُفسدوا ويدمروا الأجيال، ولِمَ لا نلوم أنفسنا لأننا لم نُطور أنفسنا وارتضينا أن نبقى مُرتهنين للغرب وما يقدموه لنا وتركنا الحبل على الغارب دون رقابة وتوجيه للجيل الجديد على ما يصلهم من برامج قد تكون الدمار لهم إذا ما راقبنا كنهها واخترنا منها ما يفيدنا، فلماذا نُلقي باللائمة على الغرب ونحن أصلُ الداء، وأقول كما قال الشافعي رضي الله عنه:
نلوم زماننا والعيب فينا
وما لزماننا عيبٌ سوانا
ونهجو ذا الزمان بغير ذنبٍ
ولو نطق الزمان لنا هجانا
وليس الذئب يأكل لحم ذئب
ويأكل بعضنا بعضاً عيانا
وسؤالي هل الذي وضع التِك توك واخترعه وضع شروطاَ للإنحلال والتعري ؟!!
وهل التِك توك هو الذي طلب أن يخرج علينا شيوخٌ يعطونا فتاوى ونصائح دون علم ؟!!
وهل التِك توك طلب من أبنائنا أن يقوموا بالرقصات والحركات والميوعة وعمل تشكيلات وتغييرات في طبيعة الوجه من أجل الإضحاك وشيءٍ ليس له معنى ؟!!
ولهذا كله ألقي باللائمة على الأسرة الممثلة بالأب والأم، ومن ثمَّ المدارس والجامعات بجميع طواقمها، ثم على مؤسسات المجتمع وأصحاب القرار في الحكومات بشكلٍ عام .
سلبيات وأضرار التيك توك
إن تطبيق التِك توك له تأثيرٌ سلبي على جيل الشباب وعلى فئة الأطفال تحديداً، وذلك بسبب غياب الرقابة الأُسرية، وعدم اهتمام الدول بمتابعة هذه التطبيقات ووضع رقابةٍ عليها، وهذا التطبيق له تأثيرٌ على كلِّ فئات الشعب من أطفال ومراهقين وأزواج وحتى على كبار السن، وإن أضرار التِك أرُدُّها إلى الأمور التالية :
أولاً : إمكانية الدخول إلى التطبيق بسهولة بغض النظر عن العمر.
ثانياً : إحتواء هذا الرابط على عروض ومواد غير لائقة أخلاقياً ولها الأثر الكبير على الأطفال وتسبب مشاكل في الأُسر.
ثالثاً : إحتواءها على محتويات وبرامج ضارة تحُضُّ على العُنف.
رابعاً : يؤدي إلى تدمير النسيج الإجتماعي ونشر الرذيلة والتواصل غير الشرعي بين الجنسين.
خامساّ: سهولة الدخول الى المواقع الإباحية التي تنشر الرذيلة .
سادساً: يؤدي استخدامه إلى فترات طويلة للعزلة والإنطوائية وعزلة مستخدمه عن مجتمعه .
سابعاً: ضياع الوقت والجهد والمال بأمورٍ تافهة لا فائدة منها.
ثامناً : مكان ملائم للتحرُّش والإبتزاز .
تاسعا ً : تولُد حب الذات والنرجسية بين مستخدمي التطبيق.
عاشراً : يؤدي إلى حالات من الإكتئاب والإحباط قد تؤدي إلى حالات الإنتحار .
حادي عشر : قد يؤدي نشر بعض الأمور إلى تعرُّض مستخدميها للسجن إذا نشر مواضيع لا يعرف أنها غير قانونية .
ثاني عشر: إختراق وقرصنة بيانات المستخدمين للتطبيق وتعرضهم للإبتزاز من خلال ذلك.
ثالث عشر : المحادثات المفتوحة وبدون رقابة مع أشخاص مجهولين قد تزرع أفكارٍ سلبية في ذهن الجيل الناشئ وخاصةً الاطفال.
رابع عشر : أصبحت مرتعاً للمشاحنات ومصدراّ للخلافات بين المستخدمين.
ايجابيات التيك توك
أما إذا أردنا التعرف على
إيجابيات هذا التطبيق فهي كالآتي :
أولاً: التعليم والتعلُّم من خلال نشر مقاطع تعليمية هادفة قصيرة تهدف إلى إثراء الأطفال بالعلوم واللغات والأمور الموجهة والمفيدة.
ثانياً : نشر أمور ذات محتوى هادف.
ثالثاً : التسويق الإلكتروني من بيعٍ وشراء.
رابعاً : نشر مقاطع بالألعاب الفكرية والمفيدة للاطفال.
خامساً : نشر المواعظ والنصائح بعد مراجعتها والتأكد من مصدرها.
سادساً : مصدر للأخبار الموثوقة في بعض الأحيان .
سابعاً : مصدر للإبداع لأصحاب المواهب .
ثامناً : تكوين علاقات وتقوية الروابط بين المستخدمين ، ولكن مع وضع نُظم رقابة لذلك.
الضوابط تجب على مؤسسات المجتمع
بعد ذلك يجب على مؤسسات المجتمع وضع ضوابط تنظم التعامل في هذا التطبيق، مع الحرص من الآباء والأُمهات على مراقبة وإرشاد وتوجيه الأبناء لكيفية التعامل مع هذا التطبيق، ولذلك يجب علينا مراعاة الأمور التالية :
أولاً : تفعيل الرقابة الأسرية من آباء وأمهات على أجهزة الهواتف المحمولة لأطفالهم.
ثانياً : توعية الأبناء لتجنب المحتويات الهابطة وخطورتها .
ثالثاً : تقييد المتابعين الذين ينشرون المحتويات السيئة وحظرهم من أجل عدم تعرض الأطفال لأمور عنيفة وغير أخلاقية.
رابعاً : تعيين حسابات خاصة بالمراهقين .
خامساً: حظر المحتويات غير المناسبة وإلغاء متابعتها حين ظهورها لأول مرة .
سادساً: ضبط خصوصية المراسلة لجميع الأشخاص .
سابعاً: السيطرة على التعليقات والتحكم بالمتابعين، وحذف جميع الأشخاص الذين ينشرون محتويات سلبية ومسيئة .
ثامناً: إبلاغ المختصين في دوائر الدولة صاحبة العلاقة عن الإنتهاكات التي ترد في التطبيقات .
تاسعاً: تعيين زمن محدد للشاشة وإدارة الوقت، وهي طريقة مميزة يستطيع الآباء من خلالها التحكم بأجهزة أطفالهم
عاشراً: عقد حلقات نقاشية توعوية تبين مخاطر هذا التطبيق بحضور أفراد الأسرة جميعاً.
وختاماً أود القول أن تطبيق التٍك توك وغيره من تطبيقاتٍ شبيهةٍ تطبيقاتٍ جيدة إذا أحسنا استعمالها وهي مُدمرة لقيم مجتمعاتنا الأخلاقية والدينية والثقافية والإجتماعية إذا لم نُحسن التعامل بها وتركنا الأمر على عواهنه دون رقيبٍ أو حسيب، وفد حثَّ الإسلام على التواصل بين الناس بالتعاون والتعارف إذ قال تعالى في سورة الحجرات - الآية ١٣: { يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم } فهي دعوة لبناء جسور التواصل والحوار بين الناس، إذ تقتضي الحاجة أن يتواصلوا ويتعاونوا مع بعضهم مهما تباعدت المسافات بينهم أو اختلفت اللغات أو تباينت الأجناس والأديان، وعلينا نحنُ في وسائل التواصل الإجتماعي أن نأخذ ما يفيدنا منها وأن نبتعد عما يضرنا ويخالف قيمنا وديننا وهذا مرتبط بأصحاب القرار الذين يقع على عاتقهم تقييم ما يأتي من الغرب واختيار ما يتناسب مع مجتمعاتنا، وقد أمرنا الله عزَّ وجلْ أن نأتمر بما يأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن ننتهي عما ينهانا عنه، وهكذا الحال في أمتنا فعلى أصحاب القرار إقرار أو النهي عن أي شيء إن كان صالحاً قبلناه، وما يُنافي ديننا وأخلاقنا وقيمنا رفضناه، قال تعالى في سورة الحشر - الآية ٧: { وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا، واتقوا الله إن الله شديد العقاب}
صخر محمد حسين العزة
عمان - الأردن
15 / 9 / 2022
المنتدى العالمي للأدباء والكتاب العرب
تعليقات
إرسال تعليق