القائمة الرئيسية

الصفحات

بناة الأجيال - بناة الحضارة

بناة الأجيال - بناة الحضارة


بناة الأجيال - بناة الحضارة 

بناة الأجيال - بناة الحضارة 
العالم الجليل/ صخر محمد العزة

إنَّ المعادن النفيسة لا تُصبِحُ نفيسة إلاَّ بعدَ أنْ تصْقُلُها يدَ صانعٍ مُحترِف بعدَ أن كانت مادةً خام، والتُحف المِعماريَّة وصُروح البناء القوية لا تتِمُّ إلا بيدِ مُهندسٍ بارعٍ صمَّمَ وخطَّطَ وشيَدَ وبنى، والمريض لا يُمكن أن يعرِف عِلَّتهُ وأن يحصُل على الدواء إلا على يدِ نطاسيٍّ ماهر، فيكُونُ على يدهِ الشفاء بعد الله عزَّ وجلّ، والأشجار الوارفةِ الأغصان، والتي تطرحُ أطيبَ الثِمار، لا يُمكِنُ أن نحصُل على ثِمارِها الطيبة ونِسْتَلِذُّ بمذاقِها، إلا بعد زرعها والعناية بها على يدِ مزارعٍ ماهرٍ ومتمرِّس، فيكونُ الحصادُ طيباً، ولكن يوجدُ أهمَّ من الصانع والمُهندس والطبيب والمُزارع وكُلِّ فِئات العمل الأخرى، والَّتي لولاهُ لما وصلوا إلى ما وصلوا إليه، فمن هو هذا الباني والمُربي والصانع ؟.!! 

إنَّهُ المُعلِّم الذي يتخرَّجُ على يدهِ كُلَّ هؤلاء، ونقِفُ إجلالاً وتقديراً له ولن نوفيهِ حقه في هذا اليوم من كُلِّ عام الذي يصادفُ يوم المُعلم، وأقول أن كُلِّ الأيام هي أيام تقديرٍ وإجلال وإعتزاز لما يُقدمه من رسالةٍ سامية تكون فيها عنوان نهضة الأُمم، فالمُعلِّم مُقّدَرٌ من عند الله بِرفعِ شأنِه، وجعل مقامهِ كمقام الرُسُل والأنبياء، فالرُسُل كانوا هم المُعلمين الأوائل والهُداة للبشريَّة، كلَّفَهُمُ الله بتربية الإنسان وهِدايته، ولذلك فالمُعلِّمون هُمُ الأقربُ إلى الأنبياء، إنَّ بناء الإنسان وإعداده لا ترقى إليهِ بقيَّةِ الأعمال، ولا يوجد عمل يوازي عملَ بناءِ الإنسان، وهو عملٌ عظيمٌ جِداً وشريفٌ للغاية، فالمسؤولية التي تقع على عاتِق المُعلِّم، مسؤوليةٌ عظيمة، لأنَّ المُعَلِّم قد يرفع الأُمة إلى الأعلى وإلى قمَّةِ الرُقِي بأداءِ رسالتهِ بأمانة، أو يُسقِطُها إلى الدرَكِ الأسفل إذا كان عكسَ ذل، وذلك كلهُ عائِدٌ للمعلم، فعمل المُعلم هو كعمل الأنبياء، ومسؤوليتهم هي مسؤولية الأنبياء، ويكفي أُمتنا فخراً أنَّ مُعلمها وهاديها هو رسول البشرية سيدنا مُحمداً صلى الله عليه وسلم الذي أخرج الأُمة من ظُلُمات الجهل إلى عالمِ النور والهِداية. 

المُعلِّمون هُم ورثة الأنبياء، حيثُ قالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم:
( إنَّ العُلماء هُم ورَثةِ الأنبياء، وإنَّ الأنبياء لم يورثوا ديناراً، ولا دِرهماً، إنَّما ورِثوا العِلم، فمن أخذه أخذ بحظٍ وافر )
إنَّ المُعلم هو حجرُ الأساس والقوة في أيِّ مُجتمع والذي بفضله يتخرج العالِم والمُهندس والطبيب والسياسي والإقتصادي وجميع شرائِح المُجتمع، وبناء الأوطان بُقام على إيدي المُعلِّمين الأكفَّاء، فالمُعلِّم هو الأداة والوسيلة لبذرِ المعرفة وريِّها ونُمُوِّها، وعلى يدهِ تتشكل عناصر الحضارة الإنسانية وتَطُورُها
يجبُ على مُجتمعنا الأردني خاصةً وعلى مُجتمعاتنا العربيَّة والإسلاميةِ عامةً أن ينظروا إلى قيمة المُعلِّم ومدى الإهتمام به في دُول الغرب ومدى حِرصهم عليه، وتصلُ رواتب المُعلمين في بعض دول الغرب كرواتب الوزراء وأكثر يجبُ إعادة الإعتبار وإعادة الهيبة التي خبى بريقُها بالقوانين المغلوطة التي تُقَيِّد حُريَّة المُعلِّم في توجيهه لطلبته، ويجب الإهتمام به ماديّاً حتَّى يقومُ بواجبه على أكمَلِ وجه وهو مُرتاحٌ نفسيٌّ، ليُؤدي رسالتهُ السامية التي بها يرتقي بأبنائه الطلبة إلى العُلوِّ والنجاح، واللهُ عزَّ وجلّ كَرَّمَ المُعلِّم وأعلى شأنه لأهميتهِ في تربية الأجيال، قال تعالى : 

( يرفعُ الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العِلمَ درجات ) 

وهذه الآية الكريمة دليلٌ على رِفعة الله لأهلِ العِلم، وأنَّ مِهنةُ المُعلِّم ليست وظيفة، لكنَّها رسالةٌ سامية يغرِسُها في قلوبِ طُلَّابه وتلاميذه، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم

( إنَّ اللهُ وملائكتهُ وأهل السماوات والأرضين حتَّى النملةَ في جُحرِها، والحوت في البحر ليُصَلُّونَ على مُعلِّم الناس الخير )

فاحترام المُعلِّم ورعاية حقوقه توفيقٌ وهِداية، وإهمالهُ خُذلانٌ وعقوقٍ وخُسران، وقال أمير الشُعراء أحمد شوقي في تكريم المُعلم قصيدةٌ أقتطفُ منها الأبيات التالية: 
قُم للِمُعلِّمِ وفِّهِ التبجيلا
كادُ المُعلِّمَ أنْ يكونَ رسولا

أعلمتَ أشرفَ أو أجلَّ من الذي
يبني ويُنشئُ أنفُساً وعُقولا

سُبحانك اللهُمَّ خيرَ مُعلِّمٍ
علَّمتَ بالقلمِ القُرون الأولى

أخرجتَ هذا العقلِ من ظُلماتهِ
 وهديته النور المُبينَ رسولا

وطبَّعتهُ بيد المُعلِّم تارةً 
صدئ الحديدِ وتارةً مصقولا

صخر محمد حسين العزه عمان- الأردن 
٥/١٠/٢٠٢٢
المنتدى العالمي للأدباء والكتاب العرب

تعليقات