بين شهيدين للكاتب صخر محمد حسين العزة
بــيــن شــهــيــدتــيــن
قال رسول الله صلى الله عليه وسلَّم( رواه الألباني ) : ( لا فضل لعربيٍّ على عجميٍّ ، ولا لعجميٍّ على عربيٍّ ، ولا لأبيض على أسود ، ولا لأسود على أبيض إلا بالتقوى ، الناس من آدم ، وآدم من تُراب ) وقال أيضاً عن النُعمان بن بشير رضي الله عنه :
( مثلُ المؤمنين في توادهم وتراحمهم مثلُ الجسد ، إذا اشتكى منهُ عُضوُ تداعى لهُ سائر الجسد بالسهر والحمى ) .
بهذين الحديثين الشريفين تتجسَّدُ عظمة الشعب الفلسطين في كل مناطق الوطن المُحتل من غزة إلى القُدس إلى فلسطين عام 1967 وفلسطين علم 1948م ، بمواجهة الإحتلال الصهيوني ، فنرى تعاضدهم وتآلفهم فيما بينهم نُصرة للأقصى وفلسطين ، وبغضِّ النظر عن عِرقهم أو طوائفهم من مسيحيين ومسلمين ، وقد تجسَّدَ هذا التعاضد والود بين جميع أطياف الجسد الفلسطين مُنذُ الفتح الإسلامي في عهد الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه سنة 638م ،
وقد كتبَ حينها عُمر بن الخطاب العُهدة العُمرية التي أمَّنَ فيها المسيحيين على كنائسهم وممتلكاتهم ، لهم ما للمسلمين وعليهم ما عليهم ، وقد كان شاهداً على كتابة هذه العُهدة الصحابة الكِرام – خالد بن الوليد وعبدالرحمن بن عوف وعمر بن العاص ومعاوية بن أبي سُفيان رضي الله عنهم أجمعين – وفي فترة إملاء هذه العهُدة حضرت موعد الصلاة ، فدعى البطريرك صفرونيوس عمر بن الخطاب للصلاة في كنيسة القيامة وتُعتبر هذه العُهدة من أهم الوثائق في تاريخ القُدس ، ولكن عُمر رفض ذلك وقال له : أخشى إن صليتُ فيها أن يغلبكم المسلمون عليها ويقولون هنا صلى أمير المؤمنين ، وبعد عمر بن الخطاب كان الفتح الأيوبي عام 1187م على يد القائد صلاح الدين الأيوبي الذي سلَّمَ مفاتيح كنيسة القيامة لعائلتين مسلمتين هما عائلة جودة وعائلة نسيبة ، وذلك حتى لا يحدُث خلافات بين المسيحيين في من يحقُّ له أن يحتفظ بالمفاتيح ومنذ ذلك التاريخ تقوم العائلتين برعاية كنيسة القيامة بفتحها وإغلاقها والقيام على حمايتها وحراستها ، ويعتبرون ذلك أمراً تشريفياً لهم .
ومنذ ذلك التاريخ يعيش المسلمون والمسيحيون متعاضدين متحابين فيما بينهم ؛ تجمعهم رابطة الدم والأخوة الإنسانية وحبهم لوطنهم فلسطين، وما جعلني أكتب هذا المقال هما سببان إثنان أولهما المشهد الرائع العظيم الذي تجلَّى عن معنى رابطة الدم والأخوة الإنسانية بين الشعب الفلسطيني من مسلمين ومسيحيين عند استشهاد أيقونة الصحافة وصوت الحق الفلسطيني شيرين نصري أنطون أبو عاقلة ، وكيف كان رجال الدين من مسلمين ومسيحيين كتفاً إلى كتف في تشييع جُثمانها من الشيخ عكرمة صبري خطيب المسجد الأقصى ، والأب مانويل مسلَّم عضو الهيئة الإسلامية المسيحية لنُصرة المقدسات في فلسطين ، وقد عُرفَ بدفاعه المستميت عن المقاومة الفلسطينية وتجريم الإحتلال الصهيوني ، ويشتهر بمؤاخاته بين المسلمين والمسيحيين ودفاعه عن المقدسات ، وكذلك المُطران عطاالله حنا رئيس أساقفة سبسطية للروم الأرثوذوكس وهو أيضاً مشهود بمواقفه النضالية وقد حاولت إسرائيل إغتياله سابقاً .
إن استشهاد شيرين أبو عاقلة بتاريخ 11 أيار من هذا العام 2022م التي طالتها يد الحقد الصهيوني لأنها كانت على مدى ما يزيد عن خمس وعشرون عاماً تكشف جرائمهم وتُعري حقيقتهم ، فظنّوا بأنهم برصاصة الحقد قد يطمسون الحقيقة ، ويتكرر الحقد الصهيوني بعد ثلاثة أسابيع وبتاريخ 1 حزيران باغتيال الأسيرة المُحررة غُفران حامد وراسنة ، التي كانت تخُطُّ خُطاها في مجال الصحافة والإعلام لتنشر الحقيقة وتُعري جرائم الإحتلال ، فاغتالوها في أول يوم كانت ذاهبة للعمل في قناة دريم في الخليل ، ويتكرر الحال مع الشهيدة غُفران كما هو الحال مع الشهيدة شيرين أبو عاقلة بالإعتداء على المشيعين وعلى جُثمانها .
وأتساءل الآن هل الرصاصة التي قتلت شيرين أبو عاقلة والتي قتلت غفران وراسنة هل ميَّزت بينهما من أيِّ دينٍ أو أيِّ طائفة ؟ ، أكانت مُسلمة أو مسيحية ؟!!! ، فرصاصة الحقد واحدة ، والدم الطاهر الذي سالً هو دمٌ واحد ، دمٌ فلسطيني ، والإثنتين كانتا تحملان نفس الرسالة في الدفاع عن فلسطين وعن مقدساتها وفضح جرائم الإحتلال الصهويني .
والسبب الثاني لكتابتي هذا المقال هو أين اختفت الأصوات والأبواق الصداحة التي ضجت في وسائل التواصل الإجتماعي ؟!! التي كانت تتساءل هل يجوز الترحم على شيرين أم لا ، وهل هي شهيدة أم لا ؟!!! فأقول لماذا خرستم وأصابكم البُكم عند استشهاد غفران وراسنة ؟!! أين غُفرانكم وترحمكم عليها ؟ أليست شهيدةً مُسلمة ؟!! أم كانت هناك آلة خفية تُحرككم وتُحرك أبواقكم الجوفاء من أجل إحداث فنتة فقط لا أكثر ولا أقل ، ولا يستفيد منها إلا العدو الصهيوني ، وكما قلت سابقاً أتركوا الرحمة والمغفرة لله عزَّ وجل فهو أدرى بعباده قال تعالى في سورة الأعراف – الآية 156 : { وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ}،
وهي تُفيد الشمولية , والله أعلمُ بسرائر القلوب ، وما نقول إلا رحم الله الشهيدتين ، شهيدتي الكلمة وصوت الحق ، ونقول للصهاينة لقد قتلتم ما يُقارب أربعمائة صحفي منذ عام 2000 واستهدفتم مؤسسسات إعلامية في غزة بتدمير بنايات كاملة فيها كبرى المؤسسات الإعلامية فهل طمستم الحقيقة بذلك ؟
فمهما قتلتم من صحافيين وإعلاميين فسيخرج بدل شيرين وغفران ألف شيرين وألف غُفران ، وإنَّ أقلامنا لن يجفَّ مدادها لكشف زيفكم ، وميكروفوناتنا ستبقى تُعلو وتصدح بالحق ولن تُسكتها رصاصاتكم الحاقدة ، وكاميراتنا ستبقى عين الحقيقة التي تكشف جرائمكم . وإنَّ غداً لناظره قريب .
صخر محمد حسين العزة
عمان – الأردن
7 / 6 / 2022
الأقصى وهرطقة الموتورين
من ذل الإنكسار إلى فجر العزة والإنتصار
المنتدى العالمي للأدباء والكتاب العرب
تعليقات
إرسال تعليق